عنوان الكتاب : "أمة الابتكار : قصة معجزة إسرائيل الاقتصادية"
Start-Up Nation: The Story of Israel's Economic Miracle
المؤلفان: دانيل سنور Daniel Senor وساول سينجر Saul Singer
دار النشر: Twelve, a Division of Hachette Book Group, New York
عدد الصفحات: 320 صفحة.
“لم تكن إسرائيل مجرد دولة قومية تقليدية ذات خصائص مشابهة لغيرها من الدول، إنها حالة مختلفة تستحق الدراسة، بالنظر إلى نشأتها المصطنعة في بيئة عدائية وانخراط جميع مواطنيها في جيش الدفاع. فضلاً عن كونها بوتقة لصهر ملايين المهاجرين من جنسيات وعرقيات مختلفة وهو ما انعكس بطبيعة الحال على الاقتصاد الإسرائيلي"، هذه هي المقولة المحورية التي انطلق منها كل من مستشار السياسة الخارجية السابق لدى الحكومة الأمريكية دانيل سنور Daniel Senor والمحرر الصحفي الإسرائيلي ساول سينجر Saul Singer لتحليل السمات المميزة للاقتصاد الإسرائيلي التي جعلت منه اقتصادًا رائدًا في سنوات معدودة تقدر بحوالي 60 عامًا هي إجمالي عمر إسرائيل وبعدد سكان محدود لا يتجاوز السبعة ملايين نسمة .
اتجه سينور وسينجر في كتابهما المعنون: "أمة الابتكار : قصة معجزة إسرائيل الاقتصادية " Start-Up Nation : The Story of Israel's Economic Miracle للربط بين النشأة التاريخية لإسرائيل والدور المجتمعي واسع النطاق لجيش الدفاع الإسرائيلي والخصائص الديمغرافية لمجتمع المهاجرين الإسرائيلي وما يرتبط بها من تعددية ثقافية وما حققه الاقتصاد الإسرائيلي من نجاح لاسيما في المجال التكنولوجي، بما جعل إسرائيل أحد أهم مراكز الصناعات التكنولوجية المتطورة على مستوى العالم، وجذب إليها فروع التطوير التكنولوجي لشركات عالمية كبرى مثل إنتل وجوجل ومايكروسوفت، وهو ما كان له أكبر الأثر في زيادة الاستثمارات في قطاع تكنولوجيا المعلومات في إسرائيل إلى حوالي تريليون دولار في فترة وجيزة للغاية منذ بداية الألفية الجديدة، ولذا فإن مؤلفي الكتاب قد آثروا أن يصفوا إسرائيل بأنها دولة للعقول a State of Minds وحالة تستحق الدراسة وليست مجرد دولة تقليدية .
مؤشرات تقدم القطاع التكنولوجي في إسرائيل
يبدأ الكتاب باستعراض مؤشرات تقدم إسرائيل في المجال التكنولوجي وكيف تحول هذا القطاع لقاطرة التنمية الاقتصادية والقطاع الأكثر جذبًا للاستثمارات الأجنبية. ففي عام 2009 تصاعد عدد الشركات الإسرائيلية المسجلة في مؤشر الصناعات التكنولوجية الأمريكي ناسداكNASDAC إلى حوالي 65 شركة وهو أعلى عدد للشركات الأجنبية في المؤشر بالمقارنة بحوالي 45 شركة كندية و6 شركات يابانية و5 شركات بريطانية و3 شركات هندية.
وفيما يتعلق بمعدل تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع التكنولوجي في إسرائيل فإنه يفوق بحوالي 30 ضعف نظيره في جميع الدول الأوروبية، بينما وصل معدل الاستثمار المحلي المدني في القطاع التكنولوجي إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي وهو أعلى معدل للاستثمار المدني في العالم لاسيما إذا ما ذكرنا أن معدل الاستثمار المدني في القطاع التكنولوجي لا يتعدى 3.2 % من الناتج المحلي الإجمالي في اليابان و2.7% في الولايات المتحدة الأمريكية ويوضح الجدول التالي معدل الاستثمار المدني في البحوث والتطوير مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي في عدد من دول العالم .
انعكس ذلك التطور المتصاعد للمجال التكنولوجي على معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي الذي بدأ في التصاعد منذ عام 2000 ليصل إلى 7.5% وباستثناء عام 2002 الذي انخفض فيه معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 1.3% تحت تأثير انتفاضة الأقصى الفلسطينية، فإن المعدل لم ينخفض عن 4% بين عامي 2004 و2007 حتى مع بداية الأزمة المالية العالمية التي أثرت سلباً في الاقتصاد الإسرائيلي كغيره من الاقتصاديات العالمية .
وانطلاقًا مما سلف ذكره يطرح المؤلفان تساؤلاً مفاده: كيف لدولة لا يتجاوز إجمالي عدد سكانها العدد الإجمالي لسكان ولاية نيوجيرسي الأمريكية ولا تتمتع بوفرة في الموارد الطبيعية وتتواجد في بيئة عدائية أن تمتلك عدد شركات تكنولوجية مسجلة في ناسداك أكبر من جميع الدول الأوروبية واليابان وكوريا الجنوبية والهند والصين مجتمعين ؟ كيف تمكن قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي تعزيز قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على النمو ؟
الجيش الإسرائيلي جامعة للتكنولوجيا والإدارة
يعزو الكاتبان تصاعد دور الصناعات التكنولوجية في الاقتصاد الإسرائيلي إلى الدور المحوري للجيش الإسرائيلي في المجتمع لاسيما فيما يتعلق بكسر الحواجز الطبقية والهيراركية التقليدية المبنية على التفاوت في توزيع الثروة والنفوذ السياسي ودوره كمؤسسة معنية بالتطوير التكنولوجي وتدريب شباب المجندين على استخدامها في العمليات العسكرية بما يفرز عددًا كبيرًا من المبتكرين والباحثين في مجالات التكنولوجيا المختلفة يستفيد منها بصورة مباشرة الاقتصاد الإسرائيلي .
ويشير الكتاب إلى أن الطالب الإسرائيلي الذي ينهي دراسته في المدارس العليا يختلف عن نظيره في جميع دول العالم تقريبًا، فهو لا يبحث عن الجامعة التي سيلتحق بها أو التخصص الجامعي الذي سيرتاده وإنما يبدأ الاستعداد للالتحاق بقوات الاحتياط في الجيش لمدة ثلاث سنوات للشباب وسنتين للفتيات، ويبذل قصارى جهده في مرحلة الاختبارات المبدئية ليتم اختياره في إحدى وحدات النخبة في الجيش التي عادة ما يتسم اختيارها للمجندين الجدد بانتقائية شديدة مماثلة لما تقوم به الجامعات العالمية مثل هارفارد وستانفورد وهو ما يعزز فرص التحاقهم بالشركات الكبرى بعد نهاية فترة خدمتهم العسكرية، حتى إذا لم يلتحق بعض الشباب بوحدات النخبة في الجيش فإن مجرد امتلاك الخبرة العسكرية يسهم في تعزيز فرصهم لشغل وظائف في مختلف قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي .
وتختلف رؤية المجتمع الإسرائيلي والأمريكي للخدمة العسكرية، بالنسبة للأمريكيين فإن مجرد اعتبار الجيش مؤسسة للتدريب على العمل في قطاع التكنولوجيا ومجالات البحوث والتطوير يعد قبيل المقولات المثيرة للدهشة والاستغراب، في حين يمكن لقطاع الأعمال الإسرائيلي تقبل ذلك بسهولة لمعرفته بالطابع المميز للجيش الإسرائيلي الذي يجعله مختلفًا عن أي مؤسسة عسكرية في العالم، ومن أهم تلك الخصائص أن سلسلة القيادة في الجيش ليست هرمية هيراركية وإنما مسطحة بما يسمح بتطوير علاقات وثيقة بين قادة الوحدات والمجندين في تنفيذ التدريبات أو العمليات العسكرية، وهو ما يتوازي مع اتجاه القيادات لتفويض السلطات والصلاحيات للمستويات الأدنى بما يجعل كل مجند قادر على اتخاذ القرار الملائم للظروف المحيطة خلال العمليات العسكرية ويكون مجبرًا من ثَمَّ على الابتكار والارتجال كي يحقق الهدف المطلوب من جانب القيادات.
ولا يعني ذلك التقليل من دور مؤسسات التعليم الجامعي التي تقوم بدور محوري في عملية تأهيل الكوادر الجديدة لسوق العمل، حيث تقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية Organization for Economic Cooperation and Development نسبة الإسرائيليين الذين تلقوا تعليمًا جامعيًا بحوالي 45% وهي نسبة مرتفعة للغاية بالمقارنة بالمستويات العالمية. وتركز الجامعات الإسرائيلية على الشراكة مع نظيرتها الدولية في مجالات النانو تكنولوجي والتكنولوجيا الحيوية والطاقة المتجددة والهندسة الوراثية وتطبيقات الحاسب الآلي.( من موقع تقرير واشنطن )