التخطي إلى المحتوى الرئيسي

النحت في مصر القديمة

الملك زوسر

بدأت مع الثورة الفنية في عهد الملك "زوسر" أعمال النحت في مجموعته الهرمية والتي للأسف لم يتبق منها إلا القليل ولكنها في نفس الوقت دليل علي خطوة كبيرة نحو رسوخ قواعد الفن المصري القديم. فهناك ثماثيل في ساحة الاحتفالات مصابة بالتلف، ويبدو أنها كانت للملك وهو يرتدي بردة الاحتفالات القصيرة. وهناك قاعدة تمثال أخري عليها أربعة أقدام متخالفة الوضع لأربعة رجال، إما إنها لزوسر وهو واقف أمام الأرباب، أو أنها أقدام أفراد أسرته وهو الأرجح. وأهمية هذه القاعدة تكمن في أنها أول نموذج تماثيل المجموعة في مصر القديمة. أما إذا ما انتقلنا إلي النحت في أوائل الأسرة الرابعة فلا نجد من تماثيل هذه الفترة المبكرة من هذه الأسرة سوى بعض الشقافات. أما تماثيل الأفراد فأغلب الظن أنها كانت من الحجر، وقد تبقي لنا منها تمثال رائع من الحجر الجيري للأمير "حميون" وزير الملك "خوفو والذي كان مديراً لأعماله الملكية ومن ثم يمكن اعتباره مهندس الهرم الأكبر . وتأتي تماثيل فترة "جدف-رع" و"خفرع" ذات واقعية متحفظة، والظاهر أن ثمة تعديلات قد حدثت في هذه الفترة كان باعثها حساسية مديري الأعمال الفنية والمشرفين المتعاقبين سعت نحو تخفيف الصرامة في معالجة الأشكال المطلوبة، وإلي معالجة تفاصيل العمل بعد ذلك بشئ من المرونة . وفي عهد منكاورع ظهر الأثر التقليدي للمثالين الملكيين الذين نحتوا تماثيل "جدف رع" و"خفرع" على الجيل التالي. كما يتضح هذا الأثر على التماثيل الثنائية، والتماثيل الثلاثية الخاصة بالملك منكاورع. أما في الأسرتين الخامسة والسادسة فلم يكن هناك تغير يذكر في أسلوب فن النحت، فكل ملامح مدرسة منكاورع النحتية موجودة فيها. لكننا نلاحظ بشكل عام قلة التماثيل في هذه الفترة ويعلل سيريل ألدريد ذلك إلي قلة المباني الجنائزية، ويضيف سبباً آخر والذي يكمن في نوعية الحجارة المستخدمة في النحت لاسيما الحجر الجيري سريع التلف بفعل الأعمال التخريبية التي تعرضت لها الآثار الملكية، بعكس تماثيل الأسرة الرابعة التي كانت تنحت من الحجارة الصلبة. وإذا ما أشرنا سريعاً عن تماثيل الأفراد فاننا نجمل القول بأنها كانت قليلة إذا ما قورنت بالنحت الملكي، ولعل السبب في ذلك هو ندرة المدربين على صناعة التماثيل، فقد كان عددهم قليلاً، وكانوا مشغولين معظم أوقاتهم في أعمال ملوكهم، وإذا توافر لهم بعض الوقت بعد ذلك كانوا يقضونه في عمل ثماثيل لبعض أولاد الملك وأسرته من ذوى الأهمية. يلاحظ أن النحت فى بداية الدولة الوسطى كان يعتبر امتدادا للنحت الذى انهار خلال فترة عصر الانتقال الأول، فارتفاع أو هبوط مستوى أى فرع من الفنون يتوقف على الاستقرار السياسى والاقتصادى، ولا يخفى على المرء حالة الفوضى السياسية والضعف الاقتصادى الذى لازم مصر طوال عصر الانتقال الأول. وما أن عادت للبلاد وحدتها، وأخذت تتمتع بالاستقرار، حتى بدأ النحات المصرى يسترجع أصالته، فأنتج العديد من القطع التى تزخر بها المتاحف، والتى تقف شاهداً على براعته. وعبرت مدارس النحت عن المثالية فى أفضل صورها فى تماثيل سنوسرت الأول التى عثر عليها فى اللشت (والمحفوظة بالمتحف المصرى)، وجاءت المدرسة المثالية الممتزجة بالواقعية التى تمثلت فى إبراز خصائص العصر فى ملامح ملوكها، جاءت واضحة فى تماثيل سنوسرت الثالث التى تتميز بصرامة الملامح، وهو ما يتوافق مع كونه شخصية عسكرية قوية. أما تماثيل أمنمحات الثالث فقد عبَّرت عن شخصية مسالمة كرست نفسها للبناء والتعمير. ومن أروع ما أنتج المثال المصرى، التمثال الخشبى للملك "منكاو - حور" المحفوظ بمتحف القاهرة، والذى عثر عليه فى دهشور، ويعتبر هذا التمثال من الأمثلة النادرة التى أظهرت الملك عارياً، وإن كان هناك احتمال بأن النقبة التى كانت تستر العورة قد سقطت. وانتشر فى عصر الدولة الوسطى استخدام النماذج الخشبية، وهى عبارة عن تماثيل صغيرة صنعت من الحجر الجيرى فى أول الأمر، ثم أصبحت تصنع من الخشب المغطى بالجص الملون. كانت هذه التماثيل تصنع بأسلوب بسيط لتمثل مجموعات من الأفراد أصحاب مهنة معينة، كالنجارين، وصانعى الجعة، والجنود، والمزارعين، الخ وكانت هذه النماذج توضع مع أصحابها فى مقابرهم على أمل الاستفادة بها فى الحياة الأخرى. وفن النحت هو فن ذو ابعاد ثلاثة (الطول والعرض والسمك)، وبنظرة على ما خلفته الدولة الحديثة من تماثيل، نجد أن بعضها يعبر عن المثالية بقوة ووضوح، والبعض الآخر يعبر عن الواقعية، بالإضافة إلى التماثيل التي تمثل المدرسة الآتونية، وتلك التي جمعت بين المثالية والواقعية. وإذا كان فن النحت في الدولة الحديثة، كغيره من الفنون الأخرى (النقش والرسم) يمثل إلى حد كبير امتداداً للخصائص الرئيسية لنفس الفن في الفترات السابقة، إلا أن الدولة الحديثة قد تميزت بعاملين جديدين، أولهما: اتساع حدود مصر وتكوين إمبراطورية مترامية الأطراف شملت بعض مناطق الشرق الأدنى القديم، وثانيهما: ظهور الفكر الديني الآتوني الذي تبناه إخناتون. وقد أدى العامل الأول إلى أن يكتسب فن النحت، بالإضافة إلى خصائصه السابقة، قوة ورشاقة وإحساساً فنياً، وفهماً أكثر للعناصر التشريحية لأجساد الكائنات الحية. وأصبح فن نحت التماثيل في عصر الدولة الحديثة أشد تعبيراً منه في أي عصر مضى، بل وأكثر ازدخاراً بالحياة، وأكثر تحرراً، وذلك بقدر ما تسمح به صفته الرسمية، وسلطة الكهنة والتقاليد التي تفرضها مقتضيات الطقوس الدينية. وكان لابد لفن نحت التماثيل من أن يهتم بما ظهر من ثياب جديدة، كالثياب ذات الثنيات الطويلة البديعة، والعقود العريضة، والحلي وأغطية الرأس الكبيرة. وفي الوقت الذي كانت تستخدم فيه العمارة كتلاً أكبر حجماً من ذي قبل، فإننا نري - مقابل ذلك - الأجسام تميل إلى الاستطالة، والحركات تزداد طراوة ومرونة، وسوف يلاحظ المرء أن فن التماثيل اكتسب من المرونة والرشاقة ما قد يفقده بعض الفتوة. وقد أدت المبالغة في هذه الصفات في غضون الأسرة التاسعة عشرة إلى التكلف والمثالية الزائدة عن الحد في بعض الأحيان. وتدل أعمال النحت التي ترجع لأواخر الأسرة السابعة عشرة على أن تقاليد عصر الدولة الوسطى الفنية لم تتأثر كثيراً بفترة الاحتلال التي مرت بها البلاد، فتمثال الملكة أحمس نفرتاري (زوجة الملك أحمس الأول) فيه سمات البساطة والوقار، ويبشر بازدهار في فن النحت الذي لم يلبث أن تحقق في وقت قصير. وسرعان ما ظهرت الروائع الفنية، والدليل على ذلك التمثال الرائع للمكلة حتشبسوت، والذي وجد في معبدها في الدير البحري، ويمثلها في زي الرجال، ويبدو الجسم في مظهر رجولة وفي شيء من الصلابة، ولكنه مع ذلك مفعم بالجمال والحيوية. وتدل قسمات الوجه على الرقة والدهاء الخليقين بالأنثى، وقد اقترنا بإرادة لا تقهر. وتحققت نفس الصفات التعبيرية في تمثال تحتمس الثالث المحفوظ بمتحف القاهرة، والذي يمثله وهو يطأ بقدميه الأقواس التسعة، وفي مجموعة تحتمس الرابع بمتحف القاهرة أيضاً. وتدخل مجموعة التماثيل الضخمة التي تصور الملك آمون حوتب الثالث وزوجته "تي" نطاق التماثيل التقليدية التي سوف ينالها تغيير هام وعميق اعتبارا من هذا العصر. والجدير بالذكر أنه منذ عهد أمنحتب الثالث يبدأ الازدهار الفني الرائع لعصر الدولة الحديثة. وفي المتحف البريطاني تمثال بديع لوجه هذا الملك قوي التشكيل، ومنحوت بمهارة فائقة، وتتحقق في هذا التمثال السمات المميزة لتماثيل العظماء في عهد آمون حوتب الثالث، كالعيون الممشوقة على هيئة اللوزة، والتي تميل زاويتها إلى الداخل، وترتفع من ناحية الصدغين، والفم الذي ترتسم عليه بسمة غامضة شاردة. وقد تأكد هذا الازدهار في عهد آمون حوتب الثالث، وهذا الاتجاه الفني في تمثاله الرائع الذي عثر عليه في خبيئة معبد الأقصر، والمعروض حالياً في متحف الأقصر. وقد قامت حركة إخناتون الدينية في الوقت الذي كانت مدرسة آمون حوتب الثالث الفنية قد أخذت تتأصل وتفرض وجودها، فتركت هذه الحركة بصماتها على فن هذه الفترة، خصوصاً في فن النحت. ولم تكن محاولة التخلص من القواعد الفنية التقليدية لتجد طريقها دون أن تقابلها بعض الصعوبات الناتجة عن قلة عدد الفنانين الذين كان في مقدورهم تبني وتنفيذ القواعد الفنية الجديدة. وجاءت المدرسة الآتونية معبرة عن الفكر الديني الجديد الذي تبناه إخناتون، فالوجه مستطيل، والرقبة طويلة، والشفتان ممتلئتان والصدر أنثوي، والبطن مترهلة، والفخذان متضخمتان، والساقان نحيفتان، الخ. والواقع أن كل ما يبدو في قسمات وجه الملك يمثل إيماناً يحطم كل إدارة معادية، حتى وإن كان هذا الإيمان مصحوباً بموت عاجل، أو بفشل محقق، كما يمثل هموماً تعبر عن ثقل المسئولية التي يحملها على كاهله. وقدر لهذه المحاولة الجديدة أن تفشل دينياً وفنياً، وبالتالي لم يقدر لفن الآتونية الدوام. إلا أن ما بقي منه يتسم بالجمال، ويشير إلى حياة طبيعية تسودها الألفة والمحبة، وتجلت هذه السمات حتى في التماثيل الملكية، وهو ما لم يكن معهوداً من قبل. فالحياة الخاصة للأسرة المالكة قبل إخناتون كانت ملكاً لها، ولم يكن من حق الشعب أن يعرف شيئاً عنها، وإظهار المشاعر الطبيعية لم يكن بالإمكان، وبَعُدَ التعبيرُ عنها بصورةٍ من الصور. أما في عهد إخناتون فإننا نجد الملك لا يمانع في تصوير نفسه وهو يعبر عن مشاعره الطبيعية نحو أفراد أسرته، فسمح بأن يصور وهو يضم زوجته الملكة نفرتيتي في رقة، ويمسك بيديها. ولم يكن هناك أيضاً من بأس في أن يمثل الملك وهو يقبل طفلاً من أطفاله، أو يصور وهو في نزهة مع زوجته وأطفاله. والواقع أن التماثيل والنقوش التي عثر عليها، والتي ترجع إلى ذلك العهد، تمثل مدرسة فنية متميزة، وهي مدرسة بني فيها الفن على مبدأ التأمل الباطن المعبر، الذي، ويميل مع ذلك نحو الجانب العاطفي والمعنوي أكثر مما يميل نحو الحقيقة المادية الخالصة. والواضح أن الفنانين الذين التجأ إليهم إخناتون قد درسوا التشريح ووعوه تماماً، ويتضح ذلك من مجموعة الأقنعة الجصية، والقوالب التي عثر عليها في العمارنة. وانتهت تجربة المدرسة الآتونية، ولكن ملامحها لم تندثر، حيث ظل بعضها قائماً في عهد توت عنخ آمون وآي وحور محب. واحتفظت الأسرة التاسعة عشرة بالتقاليد الخاصة بالرقة والرشاقة، والتي كانت متبعة في نهاية الأسرة الثامنة عشرة، ومن أجمل التماثيل التي تتجلي فيها الدقة المتناهية، تمثال رمسيس الثاني المحفوظ بمتحف تورين بإيطاليا. وسار الفنانون في الأسرة العشرين على نفس النمط، وإن اختفى الجمال الفني، وحل محله شيء من التكلف المفعم بالركاكة. ولن نرى بعد ذلك تقدماً في فن نحت التماثيل إلا حين يكون الفنان بصدد التعبير عن ملامح غير مألوفة، تضطره إلى أن يستلهم المثل الحي، ويبدو ذلك واضحاً في المجموعة المحفوظة بمتحف القاهرة، والتي تمثل رمسيس السادس وهو يصرع أسيراً. ومنذ بداية الأسرة الثامنة عشرة، ابتكر النحات أسلوباً جديداً ترجع جذوره إلى أيام الدولة الوسطى، ونفذه في بعض التماثيل التي عرفت بتماثيل الكتلة، فظهر الجسم قاعداً القرفصاء، والذراعان تطوقان الركبتين، وقد لف في رداء واحد متخذاً هيئة مكعبٍ لا يبرز منه سوى الرأس وغطاؤها. ومن أمثلة هذا الأسلوب الجديد في النحت، تمثال "سننموت" مهندس الملكة حتشبسوت، وهو يضم بين ذراعيه تلميذته وربيبته الصغيرة "رع نفرو". وظهرت هيئة جديدة أخري في التماثيل، تصور رجلاً جاثياً ممسكاً أمامه بلوحة تذكارية، أو ناووسٍ، أو مذبحٍ، أو وجهٍ إلهي. وقد برهن النحات المصري في هذه الفترة على قدرته على تمثيل الحيوانات المفترسة والأليفة، تدل على ذلك نماذج السباع و السنانير التي عثر عليها، وكذلك كلاب الصيد والقردة. وقد مثل الفنان كلاً من هذه الحيوانات بحركاته الخاصة به واقعيةً صادقةً، تقل مبالغة عن الواقعية التي مثلت بها الحيوانات المفترسة في الفن الآشوري في بلاد النهرين على سبيل المقارنة.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة بحوث التربية النوعية جامعة المنصورة - يناير 2017

فهرس الأبحاث داخل المجلة: إدراك ذوى الاحتياجات الحركية من طلاب الجامعة للمعوقات المعمارية والسلوكية التى يواجهونها وعلاقته بإدارة الوقت أنواع الاشتقاق عند ابن دريد فى كتابه الاشتقاق : دراسة وصفية تحليلية الموضوعات السياسية كما تعكسها البرامج التليفزيونية الساخرة فى القنوات الفضائية : دراسة تحليلية الأساليب الإقناعية بالبرامج الحوارية بالقنوات الفضائية المصرية ودورها فى معالجة أحداث المرحلة الإنتقالية الثانية فاعلية برنامج قبعات التفكير الست لتنمية قدرات التفكير الإبداعى فى تصميم أزياء النساء باستخدام الحاسب الآلى لدى طالبات قسم الملابس والنسيج تحقيق أنسب المعايير العلمية لأقمشة العاملين فى مجال الطب البيطرى تأثير بعض عوامل التركيب البنائى لأقمشة المزدوج السادة على خواص الأداء الوظيفى لأقمشة أغطية مقاعد السيارات المنفذة بتصميمات مستمدة من الزخارف الهندسية الإسلامية الإستفادة من بعض الأشغال اليدوية فى مجال المشروعات الصغيرة لتحسين دخل الأسرة المصرية التوثيق ودوره فى إبراز تاريخ القطع التراثية : نموذج متحف مجالس الإحياء بجمعية أم القرى التغيرات السياسية والإجتماعية وعلاقتها بم

دوناتلو وسط الوحوش..

المدرسة الوحشية Fauvism اتجاه فني قام على التقاليد التي سبقته، وأهتم الوحشيون بالضوء المتجانس والبناء المسطح فكانت سطوح ألوانهم تتألف دون استخدام الظل والنور، أي دون استخدام القيم اللونية، فقد اعتمدوا على الشدة اللونية بطبقة واحدة من اللون، ثم اعتمدت هذه المدرسة أسلوب التبسيط في التشكيل، فكانت أشبه بالرسم البدائي إلى حد ما، فقد اعتبرت المدرسة الوحشية أن ما يزيد من تفاصيل عند رسم الأشكال إنما هو ضار للعمل الفني ، فقد صورت في أعمالهم صور الطبيعة إلى أشكال بسيطة ، فكانت لصورهم صلة وثيقة من حيث التجريد أو التبسيط في الفن الإسلامي، خاصة أن رائد هذه المدرسة الفنان هنري ماتيس الذي استخدم عناصر زخرفية إسلامية في لوحاته مثل الأرابيسك أي الزخرفة النباتية الإسلاميه... ما سبب تسمية هذه المدرسة بالوحشية فيعود إلى عام 1906م، عندما قامت مجموعة من الشبان الذين يؤمنون باتجاه التبسيط في الفن، والاعتماد على البديهة في رسم الأشكال قامت هذه المجموعة بعرض أعمالها الفنية في صالون الفنانين المستقلين، فلما شاهدها الناقد لويس فوكسيل وشاهد تمثالاً للنحات دوناتلو بين أعمال هذه الجماعة التي امتازت بألوانها ا